الفرق بين البرمجيات الحرة والمفتوحة

البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر: الفرق والمفاهيم الأساسية

تعد البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر من المواضيع المثيرة للجدل والاهتمام في عالم تكنولوجيا المعلومات، وقد تداخلت مفاهيمهما في بعض الأحيان، ما قد يؤدي إلى لبس لدى العديد من الأشخاص عند محاولة التمييز بينهما. على الرغم من التشابه الكبير بين البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في العديد من الجوانب، إلا أن هناك اختلافات جوهرية تتعلق بالفلسفة والمقصد من وراء تطوير هذه البرمجيات.

مفهوم البرمجيات الحرة

تتعلق البرمجيات الحرة بمجموعة من البرامج التي تم تطويرها بشكل يتيح للمستخدمين حرية استخدام وتوزيع وتعديل البرمجيات. يشير مصطلح “حر” هنا إلى حرية المستخدم وليس إلى السعر. بناءً على ذلك، لا يقتصر معنى “الحرية” على كون البرنامج مجانيًا، بل يشمل أيضًا الحقوق التي يمتلكها المستخدمون لإعادة توزيع النسخ المعدلة من البرنامج. وفقًا لمؤسسة البرمجيات الحرة (Free Software Foundation – FSF)، يجب أن يتمتع كل مستخدم للبرنامج بالحقوق التالية:

1. الحرية في استخدام البرنامج لأي غرض: يمكن للمستخدم استخدام البرنامج كما يريد دون قيود.

2. الحرية في دراسة كيفية عمل البرنامج وتعديله: يسمح بالوصول إلى الكود المصدري للبرنامج، مما يمكّن المستخدم من تعديله وفقًا لاحتياجاته.

3. الحرية في توزيع نسخ من البرنامج: يمكن للمستخدم توزيع نسخ من البرنامج لأي شخص آخر.

4. الحرية في تحسين البرنامج ومشاركة التحسينات: يمكن للمستخدم تحسين البرمجيات ومشاركة التعديلات مع الآخرين، مما يساهم في تحسين البرنامج بشكل عام.

يتم تحديد البرمجيات الحرة من خلال رخصة البرمجيات، والتي تضمن هذه الحريات. أشهر الرخص التي تندرج تحت البرمجيات الحرة هي رخصة جنوم العامة (GPL)، والتي تضمن للمستخدمين حقوقًا صارمة في توزيع واستخدام وتعديل البرمجيات.

مفهوم البرمجيات مفتوحة المصدر

البرمجيات مفتوحة المصدر هي برمجيات يتم نشرها مع إمكانية الوصول إلى الكود المصدري للمستخدمين. يتيح هذا الوصول للمستخدمين تعديل البرنامج وتوزيعه بحرية. كما هو الحال مع البرمجيات الحرة، يمكن للمستخدمين الاستفادة من الكود المصدري وإجراء التعديلات عليه، ولكن الفكرة الرئيسية وراء البرمجيات مفتوحة المصدر ترتبط بالمساهمة المجتمعية لتحسين البرمجيات ورفع جودتها.

بدايةً، كان مصطلح البرمجيات مفتوحة المصدر يتم استخدامه بشكل أكثر تركيزًا على جوانب التطوير والنمو المجتمعي للبرمجيات، وكان يشمل بعض البرمجيات التي لا تتماشى مع فلسفة البرمجيات الحرة الصارمة. في عام 1998، تم إنشاء مؤسسة البرمجيات مفتوحة المصدر (Open Source Initiative – OSI) لتعزيز ودعم البرمجيات مفتوحة المصدر.

البرمجيات مفتوحة المصدر أيضًا يمكن أن تكون مجانية في الغالب، ولكن هناك تركيز أكبر على النمو التكنولوجي وجودة البرمجيات من خلال التعاون المجتمعي بين المبرمجين. وتستند المبادئ الأساسية للبرمجيات مفتوحة المصدر إلى تسهيل التفاعل بين المطورين والمستخدمين لضمان التحسين المستمر للبرمجيات.

الفرق بين البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر

على الرغم من أن البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر تتداخل بشكل كبير في العديد من الجوانب، إلا أن هناك بعض الفروق الجوهرية بينهما:

1. الفلسفة والهدف

الفرق الرئيسي بين البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر يكمن في الفلسفة. البرمجيات الحرة تركز على حرية المستخدمين وتؤكد على القيم الأخلاقية التي يجب أن يتمتع بها الجميع، مثل الحرية في تعديل البرمجيات واستخدامها كما يريدون. وتعتبر البرمجيات الحرة جزءًا من حركة اجتماعية تهدف إلى تعزيز التعاون والمساواة في الوصول إلى التقنية.

أما البرمجيات مفتوحة المصدر، فهي تركز بشكل أكبر على الفوائد التقنية والتعاونية. الهدف من البرمجيات مفتوحة المصدر هو تحسين جودة البرمجيات من خلال التعاون بين المطورين في جميع أنحاء العالم. يعتبر الوصول إلى الكود المصدري أمرًا أساسيًا، ولكنه يركز على تحسين البرمجيات من خلال المساهمة المجتمعية بدلاً من حرية المستخدم من منظور أخلاقي.

2. التركيز على الحريات مقابل الفوائد التقنية

البرمجيات الحرة تضع حرية المستخدم في المقام الأول، بينما البرمجيات مفتوحة المصدر تركز على الفوائد التقنية التي يمكن أن تعود على البرمجيات من خلال تطويرها بشكل مفتوح. على سبيل المثال، يمكن أن يكون لدى البرمجيات مفتوحة المصدر بعض القيود على كيفية توزيع التعديلات أو استخدامها في بيئات معينة، ولكن البرمجيات الحرة تضمن أن جميع التعديلات تبقى حرة وقابلة للتوزيع بحرية تامة.

3. الترخيص

تتميز البرمجيات الحرة بأنها غالبًا ما تأتي مع تراخيص مثل رخصة جنوم العامة (GPL) التي تضمن للمستخدمين حقوقًا صارمة في تعديل البرمجيات وتوزيعها. بينما لا يوجد شرط مبدئي في البرمجيات مفتوحة المصدر بأن المستخدمين يجب عليهم توزيع التعديلات تحت نفس الترخيص. يمكن للبرمجيات مفتوحة المصدر أن تكون أكثر مرونة في ما يتعلق بالتراخيص، ويعتمد ذلك على المشروع وموافقة المجتمع.

4. المجتمع والمشاركة

البرمجيات الحرة عادة ما تروج لقيم المجتمعات الحرة والتعاون من أجل تطوير البرمجيات التي تخدم مصالح الجميع. أما البرمجيات مفتوحة المصدر، فإن المجتمع الذي يتعاون على تطوير البرمجيات قد يكون أقل اهتمامًا بالقيم الأخلاقية والاجتماعية ويتركز بشكل أكبر على الجوانب التقنية والابتكارات.

5. التأثير التجاري

تسعى الشركات التي تعتمد على البرمجيات مفتوحة المصدر غالبًا إلى تحقيق أرباح من خلال دعم البرمجيات أو تقديم خدمات إضافية، بينما قد تكون البرمجيات الحرة أكثر ارتباطًا بالحركة الاجتماعية التي تركز على تخفيف السيطرة التجارية على البرمجيات والبيانات.

أهمية البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في العصر الحالي

تتزايد أهمية البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر في العصر الرقمي الحالي، حيث أن استخدام هذه البرمجيات يساهم في تعزيز الابتكار والتعاون بين المطورين في جميع أنحاء العالم. توفر البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر للمستخدمين فرصًا أكبر للتحكم في البرمجيات التي يستخدمونها وتخصيصها لتلبية احتياجاتهم الشخصية أو التجارية.

أيضًا، فإن البرمجيات مفتوحة المصدر تشجع على الشفافية في البرمجة، مما يعني أن أي شخص يمكنه مراجعة الكود المصدري واكتشاف الأخطاء والمشاكل الأمنية بسرعة أكبر. كما أن البرمجيات الحرة تساعد في مكافحة الاحتكار الذي قد تمارسه الشركات الكبرى من خلال تقييد الوصول إلى تقنيات معينة.

في الواقع، العديد من الأنظمة البرمجية الكبرى التي نستخدمها يوميًا، مثل نظام التشغيل لينوكس، خوادم الويب أباتشي، ومتصفح فايرفوكس، كلها أمثلة على البرمجيات مفتوحة المصدر التي تلعب دورًا رئيسيًا في تطوير تكنولوجيا المعلومات اليوم.

الخاتمة

تظل البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر بمثابة محركات رئيسية لتطور البرمجيات في العصر الحديث، حيث تتيح للمطورين والمستخدمين العمل معًا لتحسين التكنولوجيا ومكافحة الاحتكار التجاري. ومع أن هناك فروقات بين البرمجيات الحرة ومفتوحة المصدر من حيث الفلسفة والتركيز على الحقوق، فإن الاثنين يشتركان في تقديم فوائد كبيرة للمجتمع التكنولوجي والاقتصادي، ما يجعلها خيارًا مهمًا للشركات والأفراد الذين يسعون إلى الاستفادة من إمكانيات البرمجيات التي تتيح لهم التعديل والتوزيع بحرية.